تقارير و حوارات

ليونيل ميسي .. قصة حياة الأسطورة من حواري “روزاريو” إلى عرش كرة القدم

أخيراً وبعد إنتظار طويل رفع “ليونيل ميسي” كاس العام في قطر “2022” وهو بعمر “35” عامًا ليتربع النجم الأرجنتيني على عرش الكرة العالمية ويتوج من قبل الأغلبية بأنه الأفضل في التاريخ.. فما هي حكاية البدايات للنجم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس..
الكاتب البريطاني : جيليم بالاج
ترجمة : سودافووت | عبدالمنعم عبدالحي

والدة “ليونيل ميسي” تروي البدايات

ليونيل ميسي | “أشتري بعض اللحم و أضع عليه بعض الملح ثم أغمره في البيض و بعض فتات الخبز ثم أقوم بغليها في الزيت… ثم أعد الصوص بتقطيع البصل الي شرائح رقيقه و أضعه في الزيت و عندما يتحول لونه الي ذهبي اضيف إليه الملح و الماء و الطماطم مع قليل من الأوريجانو و السكر, ثم أترك الخليط علي النار لمدة 20 دقيقه و عندما يكتمل الصوص أقوم بسكبه علي شرائح اللحم ثم اجهز بعد ذلك بعد ذلك بعض البطاطس المحمره و هكذا يكون طبق (ميلانيسا نابوليتانا) قد أصبح جاهزا للتقديم “..

هكذا بكلمات طباخة ماهرة و بكثير من الشغف تصف السيده سيليا الطبق المفضل لابنها ليونيل ميسي نجم نادي باريس سان جيرمان الفرنسي وبرشلونة الأسباني سابقاً و المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم.

و تضيف قائله : “عندما أذهب الي أوروبا اقوم باعداد هذا الطبق مرتين أو ثلاث في الاسبوع .. أضع يدي علي رأس ليو و أقول له ان وجباتي و الشاي الأرجنتيني الذي اعده لك هو الذي يجعلك تسجل الأهداف دائما ” , و فيما يتعلق بالحلويات تقول والدته : ” ليو يحب كثيرا الشوكولاته و الفاجورس (بسكويت محلي في الأرجنتين) , عندما نذهب الي اسبانيا فاننا ناخذ العديد من الصناديق منها “.

و تروي سيليا قصه عن ليونيل ميسي تقول فيها : ” عندما كان صغيرا وعده مدربه بالحصول علي قطعة من الفاجورس مقابل كل هدف يسجله فانتهي به الأمر مسجلا 9 أهداف في مباراة واحدة.!.

خلف طاولة وُضعت عليها أكواب القهوه في مقهي لاتيندا وسط مدينة روزاريو بالأرجنتين تتحدث والدة صاحب القميص رقم 10 عن نجلها صحاب الشهره العالميه الواسعه , بشعرها الداكن السواد و ابتسامتها المركّبه و ملامح وجهها تُذكّر السيده تماما بابنها لكنها تصر علي أن ليو هو نسخة في الشبه من والده. تتحدث سيليا ماريا كوستيني أوليفيرا بصوت منخفض و ترسل بعض النظرات الي شقيقتها مارسيلا التي تجلس علي الجانب الاخر من الطاولة، مارسيلا هي الشقيقه الأصغر في عائلة كوستيني وهي أيضا أم لثلاثة ابناء يمارسون كرة القدم هم ماكسيمليانو الذي يلعب لفريق أولمبيا في الباراغواي , ايمانويل الذي الذي يلعب لفريق جيرونا الأسباني و برونو الذي الذي مازال صغيرا و يلعب لاحدي اكاديميات كرة القدم في روزاريو.

مارسيلا هي خالة ليونيل المفضلة و عندما يعود من من اوروبا فانه يقضي الكثير من الوقت في منزله , تقول والدته سيليا في ذلك :” يجب علينا أن نذهب الي منزلها كي نراه او نتصل به .. لقد دللته اختي كثيرا” , و تضيف سيليا : ” كان ليو ايضا صديقا لايمانويل .. منذ الصغر كانا يلعبان سويا .. كان هنالك خمسة فتيان ابنائي الثلاثه ماتياس , رودريغو و ليو و ابناء شقيقتي ماكسيميليانو و ايمانيول , في أيام الأحد عندما كنا نذهب لمنزل والدتي (جدة ليو) كانوا جميعا يذهبون للعب في الشارع .. كانت مباريات جامحة و كان الامر ينتهي دائما بليو عائدا الي المنزل باكيا بسبب خسارته أو بسبب أن الأكبر منه قاموا بالغش في اللعب”. ثم تنتقل سيليا بالحديث عن الجدة و التقاء العائله في منزلها أيام الاحد و تقول : ” كانت هي من تقود الأطفال الي تدريباتهم , لقد اصرت علي ترك ليو يلعب الكره بالرغم من صغر سنه و ضعف جسمه .. كانت تشاهد الأطفال يلعبون فتقول ( مرروها الي ليونيل , مرروها الي الفتي الصغير , انه من يحرز الأهداف) .. للأسف توفيت عندما بلغ ليو العاشره من عمره ولم تشاهد ما أصبح عليه الان”.

صور ليونيل ميسي
عائلة ليونيل ميسي

من أين أتي الفتى “ليونيل ميسي” بكل هذه المهارات..؟

ماهو العقاب الذي كان يخشاه ليو؟ و ما الأمر الذي كان الجيران يطلبونه منه؟ كيف بدأ ليو لعب كرة القدم ؟ من قام بتعليمه؟ من أين جاء بكل هذه المهارات؟ تقول والدته : ” لا أعلم .. ربما من والده أو اخوته او أبناء خالته , نحن عائله محبه لكرة القدم , نجمي المفضل هو مارادونا لقد تتبعت مسيرته و اهدافه بكثير من الشغف .. اذكر عندما التقيته قلت له : ” أتمني يوما ما أن يصبح ابني لاعبا كبيرا و تقوم أنت بتدريبه ..انظر الان ما الذي حدث .!”.

يرن الهاتف النقال الموضوع علي الطاوله فتستأذن سيليا و تأخذ الهاتف و تذهب بعيدا لتجيب , تواصل مارسيلا خالة ليو الحديث عنه فتقول :” قبل أن يبلغ الخامسة من عمره كان يتحكم بالكره أكثر من أي شخص اخر , كان يحبها و لم يكن يتوقف عن اللعب أبدا , كان يسدد عشرات الكرات علي حائط المنزل حتي كان الجيران يطالبوه بأن يهدأ قليلا”.

“تنهي سيليا مكالمتها الهاتفيه و تهز رأسها بالموافقه علي ما تقوله شقيقتها و تضيف :” كان العقاب الذي يمكن أن نهدده به هو أنه لن يذهب الي التدريب فيقول (لا ..ارجوك امي ..سأكون مطيعا .. أعدك) ثم يظل يتوسل حتي يقنعني , لم يكن ليو صعب المراس و لم يكن كسولا .. لطالما كان فتي جيدا هادئ الطبع خجولا تماما كما هو عليه الحال الان”.

علي حائط المقهي هنالك العديد من قمصان اللاعبين الأرجنتينيين و ليونيل ميسي من بينهم بالطبع , تقول والدته :” هنا في روزاريو لا يعرفون انني والدته “, سيليا لا تحب الشهره و توابعها , لكن كيف تشعر والدة نجم عالمي بهذا الحجم ؟ تقول :” أشعر بالفخر عندما أري صوره في الصحف و المجلات و أري الأطفال يرتدون قميصه , ذلك يجعلني اتنفس فخرا , و هنالك ايضا ما يؤلمني حين ينشرون بعض الاشياء و الاخبار الخاطئه عنه “.

انتهي اللقاء مع سيليا و مارسيلا فتصر والدة النجم العالمي علي أن تقل ضيفها بسيارتها الي مكان اقامته في وسط المدينه .. تقود سيليا سياره من طراز فولكسواجن رمادية اللون تدخل بها مسرعة الي الطريق , نمر امام مدرسة ليو فتقول سيليا :” لم يكن ليو طالبا جيدا .. كان كسولا بعض الشئ” , ثم تنعطف بالسياره امام نادي تيرو سوزو لكرة القدم .. اثنان من الصبيه يلعبان بالكره غير منتبهين للسياره منشغلين فقط بالكره التي بين أقدامهم , تنظر سيليا اليهما و تقول :” هكذا تماما كان ليونيل !”

ديانة ليونيل ميسي
طفولة ليونيل ميسي

عائلة “ليونيل ميسي”

ينتصب مبني علي شكل مستطيل في شارع فيسارو بمدينة روزاريو , يحمل المبني طابع مباني القرن التاسع عشر العريقه.. انه مستشفي غاربالدي الذي أبصر فيه ليونيل ميسي النور عند الساعه السادسه من صباح يوم 24 يونيو 1987.

كان والده خورخي (29 عاما في ذلك الوقت) يعمل مديرا لاحدي الادارات في شركة اسيندار و يعمل علي بعد 50 كيلومترا من روزاريو , و والدته سيليا (27 عاما حينها) تعمل في شركه لصناعة المغناطيسيات , تقابلا في سان مارين جنوبي روزاريو التي تقع علي بعد حوالي 305 كيلومترا من العاصمه بيونس ايرس و تمتد علي طول نهر بارانا و يقطنها حوالي مليون نسمه .. والد سيليا هو انتونيو كان يعمل ميكانيكيا في صيانة الثلاجات و المكيفات أما والدتها التي كانت تدعي سيليا أيضا فقد كانت تعمل عاملة تنظيف , والد خورخي هو اوزيبيو كان يعمل في مجال البناء أمام والدته فكانت عاملة تنظيف ايضا.

في 17 يونيو 1978 تزوج خورخي و سيليا في كنيسة كورازون ماريا و كانت وقتها حمي كأس العالم 1978 تجتاح الأرجنتين و قضي العروسان شهر العسل في الارجنتين حتي يتمكنا من مشاهدة مباراة الارجنتين و البرازيل و هي المباراه التي انتهت بالتعادل بدون أهداف , و بعدها بثمانية أيام قاد المدرب سيزار مينوتي الأرجنتين للتويج باللقب بعد الفوز علي هولندا بثلاثة أهداف لهدف في المباراه النهائيه.

أصبح خورخي و سيليا والدين بعد عامين علي زواجهما حيث انجبا ابنهما الأكبر رودريغو في التاسع من فبراير 1980 , ثم ولد نجلهما الثاني ماتياس في أحلك اللحظات في تاريخ الأرجنتين في 25 يونيو 1982 أي ساعات قليله بعد أن سحقت القوات البريطانيه جيش الأرجنتين في حرب جزر الفوكلاندز.. اربع سنوات بعد ذلك كانت سيليا تنتظر مولودها الثالث “ليونيل ميسي”.

ليونيل ميسي

اليافع ليونيل ميسي في مركز “غراندولي”

انضم “ليونيل ميسي” لمركز غراندولي لكرة القدم، حيث بدت موهبته واضحة للعيان.. يدخل المدرب العجوزر أباريسيو من مركز “غراندولي” للتدريب، الي احدي الغرف ليأت بصورة قديمة .. فريق من الصبية يرتدون قمصانا حمراء , أقصر طفل بينهم كان ليو الذي يظهر بتعبير جاد علي وجهه , مثل طائر صغير أو مثل “البرغوث” وهو الاسم الذي اعتاد شقيقه رودريغو علي مناداته به و الذي ما زال يلازمه حتي اليوم.

يبدأ المدرب أباريسيو حديثه عن ليونيل ميسي قائلا : ” ولد ليونيل في عام 1987 لكنه شارك مع فريق 1986 , كان الاصغر سنا و حجما و الاقصر طولا بين الفتيان , لكنه كان لاعبا خرافيا و يمتلك موهبة غير عادية , لقد ولد لكي يلعب كرة القدم , كان الناس يتجمهرون عندما نذهب الي احدي المباريات ليشاهدوه يلعب , لم يكن باستطاعة احد ايقافه , كان يسجل 4 أو 5 أهداف في كل مباراة”.

كيف كانت طريقته في اللعب ؟ مثل الان تماما ..لاعب حر , لقد كان فتي جادا و كان دائما يجلس بجانب جدته , لم يكن يتذمر ابدا , اذا تعرض لتدخل عنيف قد يصرخ أحيانا أو يبكي لكنه كان ينهض و يواصل اللعب.

يتذكر أباريسيو أول مرة عاد فيها ليونيل ميسي الي روزاريو بعد ذهابه الي اسبانيا حيث ذهب لزيارته : ” كان أمرا جنونيا , ذهبت الي منزله في الصباح و عندما عدت كانت الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي , أمضينا كل ذلك نتحدث عن اللاعبين و عن الخطط و عن كرة القدم في أسبانيا”. يواصل أباريسيو الحديث عن نجم الكرة العالمية ويبدو عليه التأثر : ” عندما رأيت أول أهدافه مع برشلونة علي شاشة التلفاز بدأت أبكي حتي أن ابنتي سألتني : ماذا هنالك يا أبي , قلت لها : لا شئ .. أنه فقط أمر عاطفي جدا”.

لم يكمل ليونيل ميسي عامه الخامس بعد الا و وجد نفسه يلعب تحت إمرة والده خورخي الذي قبل عرضا من مركز غراندولي لتدريب فريق البراعم , يتذكر خورخي تلك الفترة القصيره ويقول : ” فزنا بكل شئ , البطولات , الدوري , المباريات الودية .. كل شئ تقريبا”.

ليونيل ميسي

مشوار “ليونيل ميسي” مع “نيولز” والطريق إلى برشلونة

انضم “ليونيل ميسي” الي فريق نيولز بويز في مايو 1994 و تمكن من قيادة فريق البراعم الي انجازات كبيره , حيث لم يخسر الفريق في اربعة مواسمم متتالية الا مباراة واحدة، حتي أطلقت مدينة روزاريو علي فريق ليو لقب ماكينة 87 ( في اشارة للعام الذي ولد فيه ميسي).

خاض ليونيل ميسي العديد من البطولات مع فريق نيولز أولد بويز لكن البطولة التي تركت اثرها عنده كانت بطولة تعرف باسم ( دولفين) و اقيمت في ليما عاصمة دولية بيرو في عام 1996 حيث شارك فيها 25 فريقا من عدة دول كتشيلي , الاكوادور و كولومبيا و غيرها , و انتهت البطولة بتتويج فريق نيولز أولد بويز بقيادة ليو الذي جذب أنظار جميع المتابعين للبطولة و كشافي المواهب حتي ان اللجنة المنظمة للبطولة كانت تطلب منه أن يقوم بمارة تنطيط الكرة في فترات الاستراحة بين الشوطين حيث كان يمتع نفسه و الحاضرين بتلك المهارة الفائقة.

يستدعي المدرب أرنستو فيكيو الذي اشرف علي تدريب ليونيل ميسي لمدة عامين (منذ التاسعة و حتي الحادية عشرة من عمره) , يستدعي ذكرياته مع ليو قائلا : ” كان امرا استثنائيا , لقد امتلك ليو ناصيتي الذكاء و المهارة , كان يستطيع الركض بالكرة , تمريرها , كان يستطيع تخطي نصف لاعبي الفريق المنافس لوحده .. باختصار لقد كان يملك كل شئ و لم يكن هنالك شئ جديد لتعلمه له”.

و يتذكر ارنستو احدي الدورات التي شاركوا فيها , و تدعي بالكاريس و التي جرت في العاصمة بيونس ايرس و استطاع فيها فريقه بقيادة ليو أن يحلق الهزيمة بفرق مثل بوكاجونيورز , سان لورنزو و أندبيندينتي , و يحكي ارنستو قصة طريفه حيث يقول أن مدافعا في احدي الفرق طلب من زملائه أن يفسحوا الطريق امام ليونيل لأنه مامن شئ يستطيع ايقافه ! .

و يضيف المدرب :” لقد مللنا من رؤيته و هو يسكن الكرة في الشباك”. و يواصل ارنستو حديث الذكريات لضيفه حيث يتناول قصة اخري يقول فيها : ” كنا نلعب مباراة هامة ضد فريق توريتو , كان ليو مريضا و لم ارد ان اشركه في المباراة لذا تركته علي مقاعد الاحتياط , كنا متاخرين بهدف قبل نهاية المباراة بخمس دقائق لذا اتجهت اليه و سالته : ” هل تريد اللعب ؟ , فاجاب : نعم , فارسلته الي الملعب و قبل ان يدخل ناديت عليه قائلا : ليو .. فز لنا بالمباراة .. و قد فعل خلال خمس دقائق فقط , حيث تمكن من تسجيل هدفين قلب بهما النتيجة لصالحنا , كان ذلك امرا عاديا بالنسبة له حيث كان ليونيل ميسي يسجل أكثر من 100 هدف خلال الموسم في المباريات و البطولات و الدورات المختلفة.

في عام 2000 خاض ليونيل ميسي اخر موسم له في نيولز اولد بويز مع فريق 1987 تحت امرة المدرب ادريان كوريا و فاز الفريق بالدوري علي ملعب بيلافيستا وهو ملعب الفريق الأول و كان ذلك في 3 سبتمبر من عام 2000 .. اي اسبوعين فقط قبل ان يحزم ليو حقائبه و يتجه الي برشلونة.

ليونيل ميسي

ليونيل ميسي | قصة هرمونات النمو المثيرة للجدل

يتذكر الدكتور دييغو شوارزتين تحديدا التاريخ الذي التقي فيه بـ ليونيل ميسي أول مرة و كان ذلك في 31 يناير من عام 1997 , حين كان عمر ليو تسعة أعوام و نصف و جاء برفقة والديه اللذين كانا قلقين من قصر قامته و تأخر نموه مقارنة بأقرانه و أحضراه للكشف في مستشفي انتيرنال ميديسن في شارع كوردوبا في وسط مدينة روزاريو.

يقول الدكتور شوارزتين : ” كنت أقوم بالكشف للعديد من الحالات كل يوم , كان طول ليو يبلغ 1,27 مترا عندها و لم يكن نجما وقتها بل كان فتى عاديا يلعب كرة القدم في فريق الناشئين بنيولز أولد بويز , و لقد كنت دائما من مشجعي ليبرز (لقب فريق نيولز ) , وهذا ما ساعادني علي انشاء علاقة طيبة مع ليونيل حيث كنا نتحدث دائما عن كرة القدم و هو الشئ الوحيد الذي كان يبدد خجله “.

تكررت زيارة ليو لعيادة الدكتور شوارزتين و خضع للعديد من الفحوصات و الاختبارات المعقدة خلال عام كامل , و يقول الدكتور دييغو :” كان لا بد من تلك الاختبارات لتحديد ما الذي نواجهه , هل هو مشكلة هرمونية أم فقط تأخر في النمو و هي حالة تحدث عند العديد من الصبية و المراهقين و لكنهم ينموهم يتطور سريعا في اخر مراحل المراهقة “. و بعد العديد من الفحوصات المرهقة التي تعامل معها ليو بتجاوب تام و لم يكن يتذمر أبدا , لكنه كان يلقي الدعم من عائلته التي كانت بجانبه دائما كما يذكر الطبيب , تم تحديد المشكلة و هي نقص في هرمونات النمو , يقول الدكتور شوارزيتن :” هذه الحالة ليست شائعة في العالم حيث يعاني منها شخص واحد بين كل 20 مليون شخص في العالم , و هي ليست حالة وراثية أيضا فشقيقي ليو ماتياس و رودريغو بالاضافة الي شقيقته الصغري ماريا سول كانوا جميعا يتمتعون بأطوال طبيعية و نمو عادي “.

بعد تحديد المشكلة يأتي العلاج , و كان علاجا قاسيا و هو الحقن يوميا بهرمون النمو لمدة فترة تتراوح بين ثلاث الي ست سنوات حتي يكتمل نموه بشكل طبيعي حيث يخضع للتصوير بالأشعة بصفة منتظمة لتحديد تطور نموه.

يقول الدكتور شوازيتن أنه غضب جدا مما سمعه عن أن ليونيل ميسي لاعب تكونت قدراته عن طريق المهارات ) , لقد خضع ليونيل للعلاج فقط و لم يكن هنالك أي نوع من التجارب و العلاج بهرمونات النمو موجود و قائم منذ أكثر من ثلاثين سنة ” , و ربما كان هذا الجدل الذي يثار حول علاج ميسي مرده الي مهارات الفتي و امكانياته الكبيرة لكن بزوغ مهارات ميسي التي شهد عليها كل مدربيه قبل أن يخضع لاي نوع من العلاج تدحض كل تلك الشائعات.

كان هذا النوع من العلاج مكلفا للغاية علي عائلة متوسطة الدخل مثل عائلة ميسي حيث كان العلاج يكلف سنويا مبلغ يصل الي 100 الف دولار و هومبلغ ضخم للغاية , و كان التامين الطبي لوالده خورخي في شركة اسيندار يغطي العلاج في بداية الأمر لكنهم رفضوا ان يدفعوا له بعد عامين بحجة أن المبالغ باهظة للغاية لذا كان علي خورخي أن يبحث عنمصدر اخر يتحمل تكاليف علاج ابنه.

ليونيل ميسي | الموهبة مقابل العلاج

بعد رفض التأمين الطبي لشركة اسيندار التي كان يعمل فيها والد ليونيل ميسي , التكفل بمصاريف العلاج باهظة الثمن لجا خورخي الي ادارة فريق نيولز اولد بويز الذي كان يلعب له ليونيل لتحمل النفقات , و نسبة للموهبة العالية و المستقبل الباهر الذي كان ينتظر ليونيل وافق النادي الأرجنتيني علي دفع جزء من التكاليف , لكن سرعان ما بدا التماطل و التاخر في الدفع , يتذكر خورخيوالد ليو ذلك و يقول : ” لقد ذهبنا كثيرا أنا و زوجتي كي نطالبهم بدفع التكاليف , حتي فاض بنا الكيل و قررنا الا نذهب اليهم مرة اخري و أن نطرق بابا اخر “.

كان الباب الاخر هو فرق العاصمة التي لديها الامكانيات المادية الكبيرة , حيث يضيف خورخي : ” كان فريق ريفر بلايت قد أنشا مكتبا في روزاريو و كانوا يعلمون بقدرات ليو , فمنحونا فرصة للاختبار , سافرت برفقة ليو الي العاصمة بيونس ايرس حسص خضع ليونيل لاختبار مع ريفر بلايت ” , اعجب مدربو الفريق العاصمي بالقدرات التي يتوافر عليها ليونيل لكن المشكلة الوحيدة كانت اخلاء طرفه من قبل نادي نيولز أولد بويز , يتذكر خورخي : ” لقد قالوا لي (ادارة ريفر بلايت) نحن نريده , لكن المشكلة أن اوراقه في فريق نيولز , بمعني اخر لم يريدوا الدخول في صراع مع نيولز , و عرف فريق نيولز بذلك و طالبوني بعدم التعجل و وعدوني مرة اخري بدفع تكاليف علاجه , لكنهم لم يفعلوا .. ثم فجأة ظهر خيار برشلونة الأسباني “.

و بالعودة مرة اخري الي قصة العلاج بهرمون النمو و الجدل الذي يثار حوله , نشرت صحيفة لاكابيتال الأرجنتينية مقالا بعنوان ” أنهم يريدون علاج ميسي لأبنائهم ” , و تتناول المقالة بعد اولياء الامور الذين يظنون أن ما خضع له ليونيل ميسي هو ما كون لديه هذه القدرات و المهارات و بالتالي يريدون لابنائهم أن يخضعوا لنفس الامر ..! , بل حتي ان هرمون النمو اصبح يعرف في الأرجنتين ب ” العلاج السحري”.

يقول الدكتور شوارزتين : ” هذا الأمر كله مرده الي ان الفتي الذي خضع للعلاج هو لاعب كرة قدم شهير في العالم , و هنالك العديد من الفتيان الذين خضعوا لنفس العلاج , و لا يعرف عنهم أحد اي شئ ” , و يفضل الدكتور لو كان أمر علاج ليونيل بقي سرا بين الطبيب و العائلة حتي لا يثير كل هذا الجدل غير المنطقي.

بدا ليونيل ميسي تلقي العلاج , حقنة يوميا علي الفخذ, في بداية عام 1998 و كان طوله عندها يبلغ مترا و 27 سنتميترا و بعد تلقي العلاج باستمرار مع متابعة حالته و خضوعه للتصوير الدائم بالاشعة وصل ليونيل الي الطول الذي هو عليه اليوم و هو مترا و 69 سنتميترا , يقول الدكتور شوارزتين : ” بدون خضوعه لهذا العلاج , لم يكن ليونيل ليصل الي هذا الطول أبدا”.

ليونيل ميسي

ليونيل ميسي | الرحلة إلى برشلونة

هنالك قول بأن اللغة التي يتحدث بها الأسبانيون هي نفسها التي يتحدث بها الأرجنتينيون , و هذا الأمر غير دقيق فجذور اللغتين هي نفسها لكن عمليا هنالك العديد من الاختلافات ليس فقط في التعبيرات المحلية أو اللغة الدارجة التي يتم استخدامها في أي من البلدين .

و تنحدر معظم العائلات الأرجنتينية من أصول أسبانية أو ايطالية , و بعد أكثر من قرن من هجرة جده الأكبر من أسبانيا الي الأرجنتين هاهو الفتي ليونيل ميسي يستعد للقيام بهجرة عكسية نحو أسبانيا , هجرة تمثل دائما تحد صعب حتي للرجال ناهيك عن فتي عمره 13 عاما , و لو لم يكن ليو يمتلك العزيمة و الارادة لم استطاع أن يترك ورائه مدينته التي نشأ فيها , أهله و أقاربه , جيرانه , أصدقائه و مدرسته و فريقه الذي يحبه ، يترك كل هذا و يتجه نحو مستقبل مجهول في أسبانيا .. بل أن العائلة بأكملها كانت تعلق امالها علي فتي عمره 13 عاما.

وصل ليونيل ميسي برفقة والده خورخي الي برشلونة في 16 سبتمبر من عام 2000 , لكن قبل ذلك دعونا نعود الي تسلسل الأحداث الذي انتهى بصعود ليو و الده علي طائرة الخطوط الأرجنتينية متجهين نحو أسبانيا. كان اسم ليو قد اصبح معروفا علي صعيد كرة القدم في الأرجنتين و بدأت الصحف تتناول اخباره و تفرد المزيد من مساحاتها له , و في احد ايام عام 2000 قدم رجل يدعي مارتن مونتيرو نفسه لخورخي والد ميسي علي أنه وكيل أعمال لاعبين يمتلك مكتبا في روزاريو برفقة شريكه السيد فابيو سولديني و حدث ذلك في أحد الملاعب في روزاريو .

تحدث الرجلان مع والد ميسي مطولا و أخبراه بأنهما يمتلكان شبكة واسعة من العلاقات في أوروبا و أنهما يريدان أن يمثلا ليونيل و يتوقعان له مستقبلا باهرا في ايطاليا أو أسبانيا , في أندية مثل انتر ميلان , ميلان , برشلونة أو ريال مدريد. و قد وافق خورخي بعد أن اشترط الا يحصلا علي أي شئ الا بعد أن يوقع ميسي علي عقد في احد تلك الأندية , وهي قصة اخري تطورت في السنوات اللاحقة و مازالت هنالك قضايا في المحاكم بين مونتيرو و سولديني ضد خورخي حتي الان.

و في أغسطس من عام 2000 اتصل مونتيرو و سولديني بصديق لهما يدعي هوراكيو و هو أرجنتيني يعيش في مدينة برشلونة منذ 1970 و يعمل في مكتب وكيل اللاعبين الأسباني جوسيب ماريا الذي كان بدوره عضوا في نادي برشلونة و يحمل العضوية رقم 2292 , و كان ماريا يعمل مستشارا لرئيس برشلونة خوان غاسبارت انذاك.

يتذكر ماريا بقوله :” لقد رأيت شريط فيديو للفتي ليونيل ميسي , و أكد لي كل من هوراكيو ,مونتيرو و سولديني أن الفتي يستحق نظرة , لذا قمت بالاتصال بصديقي تشارلي ” , تشارلي هو كارليس ريكشاش المدير الرياضي لفريق برشلونة الأسباني في ذلك الوقت .. و يتذكر ريكشاش تلك الأيام و يقول :” لقد أخبرني ماريا بأن لديه فتي جيد .. مثل مارادونا , كنت أظنه يتحدث عن فتي عمره 18 عاما , لكن عندما أخبرني بعمره تفاجأت , كان يجب أن يكون استثنائيا لنفكر في ضمه , لم تكن سياسة النادي أن نضم لاعبين من خارج كتلونيا , ناهيك عن لاعب من خارج دول الاتحاد الأوروبي”.

ليونيل ميسي

ليونيل ميسي يجتاز اختبارات برشلونة في “7” دقائق

يواصل المدير الرياضي لبرشلونة كارليس ريكشاش حديثه قائلا : ” كان الحل الأمثل ان نحضره الي برشلونة لنختبره و ليراه مدربو النادي ,و كان ذلك أفضل من ان نسافر الي الأرجنتين كي نراه كونه قد يكون مريضا أو لا يستطيع أن يقدم الأداء المطلوب , كان ذلك الخيار الأفضل “. وهكذا في يوم 17 سبتمبر من عام 2000 وصل ليو برفقة والده و الوكيل فابيو سولديني الي مطار الأمير البرت في برشلونة و كان السيد هوراكيو (الذي اخبر برشلونة بأمره) ينتظرهم في صالة استقبال الواصلين و اخذهم الي فندق بلازا في وسط المدينة.

كان ليونيل ميسي ينظر عبر النافذة الي مدينة برشلونة بمبانيها العريقة و بناياتها الشاهقة و يقول في نفسه ان سارت الأمور بشكل جيد , فان هذه المدينة ستكون وطنه الجديد , سيكون هنا منزله و عائلته و فريقه و ربما فريق لشقيقه رودريغو الذي كان يلعب في الأرجنتين. لم يكن قرار ليونيل ميسي و عائلته أمرا سهلا , لكنهم اجتمعوا و تفاكروا في الأمر جيدا و قرروا أن يذهب ليونيل للاختبار و أخذ فرصته في برشلونه لان ذلك قد يغير حياتهم للأبد , و لقد كان امرا صعبا علي ميسي أن تعلق العائلة بأكملها امالها عليه.

تم تحديد اختبار ليونيل مع برشلونة , يوم الاثنين 18 سبتمبر عام 2000 , وصل ليونيل ميسي مع والده الي النادي و اندهش بالامكانيات و التجهيزات الرياضية التي يتوافر عليها النادي الأسباني و التي لم يشهد مثيلها في الأرجنتين , حتي أنه أخذ صورة عند المدخل مثل معظم السياح الذين يأتون لزيارة النادي , و تم ادخال ليو في مباراة مع فريق الشبان فيما جلس خورخي يتابع من المدرجات , لم يرد ليو أن يحبط والده فانتهي به الأمر مسجلا 5 أهداف في المباراة و هدف سادس رفض الحكم احتسابه.

اعجب مدربو النادي كثيرا بـ ليونيل ميسي و أبدوا اندهاشهم من القدرات التي يمتلكها , لكن القرار النهائي كان في يد ريكشاش المدير الرياضي الذي كان في سيدني لحضور أولمبياد عام 2000 , لذا فقد امتد مكوث ليو و والده في برشلونة حتي عودة ريكشاش في الثاني من اكتوبر 2000 , و هكذا تم تحديد اختبار جديد لميسي في 3 اكتوبر عند الساعة الخامسة في ملعب الميني ستادي ( الملعب الذي يلعب فيه فريق برشلونة ب) مع فريق الشبان المعروف باسم (كاديت ِايه) , و كانت هذا الاختبار ليري السيد ريكشاش مدي صحة الحديث عن ليونيل ميسي.

يقول ريكشاش عن ذلك اليوم :” كنت قادما للتو من وجبة الغداء , و صلت الي الملعب بعد بداية المباراة بخمس دقائق , كان لابد لي أن أدور حول الملعب حتي أصل الي مكان جلوس المدربين , لقد استغرقت 7 أو 8 دقائق حتي اصل اليهم حيث كنت منبهرا بما أراه , و عندما وصلت الي مقعدي كنت قد اتخذت قراري , و قلت لريفي و ميجويلي (مدربا فريق الناشئين) : يجب أن نضمه الان “.

و يواصل ريكشاش حديثه عن ليونيل :” يا الهي .. ما الذي رأيته؟ لقد كان الفتي قصيرا لكنه كان مميزا , سرعة , مهارة , ذكاء , ثقة بالنفس .. كان يركض بالكرة بصورة خرافيه و كان قادرا علي المرور من أي شخص يعترض طريقه, كانت قدراته واضحة للعيان .. العديد من الناس يقولون اني من اكتشفت ليونيل لكن ذلك القول غير صحيح , لو شاهده أي شخص لاكتشف أن ذلك الفتي يمتلك شيئا استثنائيا”.

ليونيل ميسي أول عقد

ليونيل ميسي | العقد الأول

و في يوم 8 يناير 2001 و في مطعم فينيتو في وسط المدينة جلس كارليس ريكشاش المدير الرياضي لبرشلونة , جوان لاكويفا مدير الادارة المالية و السيد ريفي منسق اكاديمية برشلونة للشبان حول طاولة مع خورخي و هوراكيو , و تم تقديم خطابين لخورخي الأول يضم اتفاق ريكشاش نيابة عن برشلونة في التعاقد مع ليونيل ميسي, و الاخر يحتوي علي البنود المالية للاتفاق و التي كانت حوالي 65 ألف دولار , بالاضافة الي منزل للعائلة , و كان هذا كافيا لخورخي للحد البعيد , و هكذا في 15 فبراير من عام 2001 و في عز الشتاء حزمت العائلة امتعتها و حطت في مطار كتالونيا ليبدأ ليو قصة المجد والنجومية التي عايشها عالم كرة القدم باسره حتى تربع على عرش الكرة العالمية.

واستمرت مسيرة “ميسي” مع برشلونة حتى العام “2021”، حقق خلالها ألقابًا بالجملة وأرقام قياسية أبرزها لقب بطولة الدوري الإسباني مع برشلونة في 10 مناسبات، وكأس ملك إسبانيا 7 مرات، وفي مثلهما حصد لقب السوبر الإسباني، وعلى الصعيد الأوروبي والعالمي حصد ميسي رفقة “البارسا” لقب دوري أبطال أوروبا في 4 مناسبات والسوبر الأوروبي 3 مرات، كما حصد لقب كأس العالم للأندية أيضا 3 مرات، كما توج بالكرة الذهبية سبع مرات.

وأخيرًا إستطاع “ليونيل ميسي” تحقيق حلمه الأكبر مع منتخب الأرجنتين عندما تمكّن في مسيرة اسطورية من قيادة منتخب “التانغو” إلى لقب كأس العالم “2022” في قطر بعد التفوق على منتخب فرنسا في النهائي وتوج ميسي بلقب أفضل لاعب في البطولة التي سجّل خلالها “7” أهداف”


لمتابعة أخبارنا انضم لمجموعتنا على واتساب أضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى